سورة هود - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)}
{الذين يَصُدُّونَ} أي كل من يقدرون على صده أو يفعلون الصد {عَن سَبِيلِ الله} أي دينه القويم وإطلاق ذلك عليه كالصراط المستقيم مجاز {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي يطلبون لها انحرافًا، والمراد أنهم يصفونها بذلك وهي أبعد شيء عنه، وإطلاق الطلب على الوصف مجاز من إطلاق السبب على المسبب، ويجوز أن يكون الكلام على حذف مضاف أي يبغون أهلها أن ينحرفوا عنها ويرتدوا، وقيل: المعنى يطلبونها على عوج ونصب {عِوَجَا} على أنه مفعول به، وقيل: على أنه حال ويؤول عوجين {وَهُمْ بالاخرة هُمْ كافرون} أي والحال أنهم لا يؤمنون بالآخرة، وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به لأنه نزلة الفصل فيفيد الاختصاص وضربًا من التأكيد، والاختصاص ادعائي مبالغة في كفرهم بالآخرة كأن كفر غيرهم بها ليس بكفر في جنبه، وقيل: إن التكرير للتأكيد وتقديم {بالاخرة} للتخصيص، والأولى كون تقديمه لرؤوس الآي.


{أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)}
{أولئك} الموصوفون بما يوجب التدمير {لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ} لله تعالى مفلتين أنفسهم من أخذه لو أراد ذلك {فِى الارض} مع سعتها وإن هربوا منها كل مهرب وجعلها بعضهم كناية عن الدنيا {وَمَا كَانَ لَهُمْ مّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء} ينصرونهم من بأسه ولكن أخر ذلك لحكمة تقتضيه، و{مِنْ} زائدة لاستغراق النفي، وجمع {أَوْلِيَاء} إما باعتبار أفراد الكفرة كأنه قيل: وما كان لأحد منهم من ولي، أو باعتبار تعدد ما كانوا يدعون من دون الله تعالى فيكون ذلك بيانًا لحال آلهتهم من سقوطها عن رتبة الولاية {يضاعف لَهُمْ العذاب} جملة مستأنفة بين فيها ما يكون لهم ويحل بهم، وادعى أنها تتضمن حكمة تأخير المؤاخذة، وزعم بعضهم أنها من كلام الأشهاد، وهي دعائية ليس بشيء.
وقرأ ابن كثير. وابن عامر. ويعقوب يضعف بالتشديد {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} أي أنهم كانوا يستثقلون سماع الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويستكرهونه إلى أقصى الغايات حتى كأنهم لا يستطيعونه، وهو نظير قول القائل: العاشق لا يستطيع أن يسمع كلام العاذل، ففي الكلام استعارة تصريحية تبعية، ولا مانع من اعتبار الاستعارة التمثيلية بدلها وإن قيل به، وبالجملة لا ترد الآية على المعتزلة وكذا على أهل السنة لأنهم لا ينفون الاستطاعة رأسًا وإن منعوا إيجاد العبد لشيء مّا، وكأنه لما كان قبح حالهم في عدم إذعانهم للقرآن الذي طريق تلقيه السمع أشد منه في عدم قبولهم سائر الآيات المنوطة بالإبصار. بالغ سبحانه في نفي الأول عنهم حسًا علمت واكتفى في الثاني بنفي الإبصار فقال عز قائلًا: {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} أي أنهم كانوا يتعامون عن آيات الله تعالى المبسوطة في الأنفس والآفاق، وكأن الجملة جواب سؤال مقدر عن علة مضاعفة العذاب كأنه قيل: ما لهم استوجبوا تلك المضاعفة؟ فقيل: لأنهم كروهوا الحق أشد الكراهة واستثقلوا سماعه أعظم الاستثقال وتعاموا عن آيات الملك المتعال، ولا يشكل على هذا قوله سبحانه: {مَن جَاء بالسيئة فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160] بناءًا على أن المراد ثل السيئة ما تقتضيه من العقاب عند الله تعالى فلعل ما فعلوه من السيئات يقتضي تلك المضاعفة فتكون هي المثل كما أن مثل سيئة الكفر هو الخلود في النار، وقيل: إن المضاعفة لافترائهم وكذبهم على ربهم وصدّهم عن سبيل الله تعالى وبغيهم إياها العوج وكفرهم بالآخرة على ما يدل عليه نسبة مضاعفة العذاب إلى هؤلاء الموصوفين بتلك الصفات وبه جمع بين ما هنا؛ وقوله سبحانه: {مَن جَاء بالسيئة}
[الأنعام: 160] الآية، ولعل التعليل بما تفيده الجملة على هذا لأنه الأصل الأصيل لسائر قبائحهم ومعاصيهم.
وزعم بعضهم أن المضاعفة لحفظ الأصل إذ لولا ذلك لارتفع ولم يبق عذابًا للإلف بطول الأمد وفيه ما فيه، وقيل: إن الجملة بيان لما نفى من ولاية الآلهة فإن ما لا يسمع ولا يبصر عزل عن الولاية وقوله سبحانه: {يضاعف} إلخ اعتراض وسط بينهما نعيًا عليهم من أول الأمر بسوء العاقبة، وفيه أنه مخالف للسياق ومستلزم تفكيك الضمائر، وجوز أبو البقاء أن تكون {مَا} مصدرية ظرفية أي يضاعف لهم العذاب مدة استطاعتهم السمع وإبصارهم، والمعنى أن العذاب وتضعيفه دائم لهم متماد، وأجاز الفراء أن تكون مصدرية وحذف حرف الجر منها كما يحذف من أن وأن، وفيه بعد لفظًا ومعنى.


{أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)}
{أولئك} الموصوفون بتلك القبائح.
{الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى شأنه، وقيل: {خَسِرُواْ} بسبب تبديلهم الهداية بالضلالة والآخرة بالدنيا وضاع عنهم ما حصلوه بذلك التبديل من متاع الحياة الدنيا والرياسة.
وفي البحر أنه على حذف مضاف أي {خَسِرُواْ} سعادة أنفسهم وراحتها فإن أنفسهم باقية معذبة.
وتعقب بأن إبقاءه على ظاهره أولى لأن البقاء في العذاب كلا بقاء {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من الآلهة وشفاعتها.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10